تقوى القلوب زاد الآخرة

بسم الله الرحمن الرحيم

دعاء النبي صلى الله عليه وسلم
اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها”

أختي المسلمة : إن المسافر من بلد إلى بلد يتزود بما يحتاجه المسافرمن عدة  أثناء سفره , فيعد حقيبته وملابسه وأدواته وماله واوراقه الخاصة وشهاداته إذا كان طالب علم أو عمل ,ويحرص على أن لا ينسى شيئا مما يحتاجه في سفره حتى الاشياء الدقيقة مثل فرشاة أسنانه ,وآلة الحلاقة وما خلاف,حتى في أيامنا هذه أصبح الجوال طبعا واللاب تاب من أهم الإحتياجات للسفر ,يعني فلا يسافر قبل ان يعيد النظر لكل ما يريده ويحتاجه أثناء سفره من جواز السفر حتى فرشاة ومعجون الأسنان.

هذا إن كان السفر من بلد الى بلد في الحياة الدنيا….!! فماذا عن المسافر من الحياة الدنيا  إلى الآخرة ؟ فماذا يعد ّ لملاقاة ربه ؟ حقيبة سفر؟ ملابس؟ شهادات؟ أموال؟ سلطة؟ واسطات ؟ جيوش؟ اختراعات وتقنيات حديثة ؟ لا والله ..فكل ما هو في الدنيا سيبقى في الدنيا

قال الله تعالى في كتابه العزيزفي سورة البقرة “وتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى”

وقال تعالى في سورة الأعلى:. “بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى “. يعلمنا الله تعالى ان نتزوّد للآخرة لأنها خير وأبقى فهناك الحياة الباقية والدنيا هي الحياة الزائلة

أختي المسلمة …ماذا نتزود للآخرة؟ التقوى هي زادنا للآخرة. “يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شديد* سورة الحج

ما معنى التقوى؟ التقوى مصدرها فعل وقى ومن إسم وقاية وهي الحذر والحفظ والستر والصون من الأذى

والتقوى أيضا معناها مخافة الله وأن نبتعد ونتجنب المعاصي وفعل الذنوب كي نصون أنفسنا ونحفظها من غضب الله وبطشه وأن نتّقي ما يغضب الله ونلزم طاعته ورضاه حتى نسلم من العذاب في الآخرة.

وقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم كلمة التقوى بكل مصادرها وأفعالها ومعانيها وتكرّرت بكل مشتقاتها  258 ثمانية وخمسين بعد المئتين مرة ، في237 سبعة وثلاثين بعد المئتين آية ،مثل

“وقى (فَوَقَاهُمُ اللَّـهُ شَرَّ‌ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ

“اتقوا (إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ

قوا( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة

قِنا (وقنا عذاب النار

تقاة ( لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِ‌ينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّـهِ فِي شَيْءٍ إلا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُ‌كُمُ اللَّـهُ نَفْسَهُ

“المتقين (وَلَدَارُ‌ الْآخِرَ‌ةِ خَيْرٌ‌ وَلَنِعْمَ دَارُ‌ الْمُتَّقِين) (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ‌ ﴿٥٤﴾ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ‌

“يتّق (أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

“واق (ما  لَكَ مِنَ اللَّـهِ مِن وَلِيٍّ ولا وَاقٍ

“تقيكم (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَ‌ابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ‌ وَسَرَ‌ابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ

” تقيّا (وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا

“تُقى ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولا تموتُّن إلا وأنتم مسلمون

أختي المسلمة : كم وكم منّا يسمع كلمة التقوى ولا يعرف معناها أو لا يدرك أهميتها وأهمية بلوغ قمتها والتشبث بها والمحافظة عليها لنتجنّب العذاب ولننجو من المعاصي والذنوب. فالتقوى تنبع من القلب المؤمن الخاشع الخائف الذليل إلى الله،والذي يرى الله ويرى عذابه وقدرته ويرى عفوه ورضاه ولطفه في كل حركة يقوم بها في أكله وشربه وقيامه ونومه وكلامه ومشيه ومعاملاته وعمله وصلاته وصومه وفي قرارة نفسه وتفكيره.لأنه يعلم أن الله يراه ،وأن الله رقيب عليه، فهو يخشاه ويتقي غضبه وبطشه فيتجنّب المعاصي ويبتعد عنها بعد المشرق عن المغرب ولا يقرب الشبهات مخافة الوقوع فيها،ويضبط النفس عن الهوى والشهوات والرغبات…

قال الله تعالى: ” فاتّقوا الله ما استَطَعتُم ” فمهما كانت الشهوات والأهواء مغرية تكون مقاومة المؤمن التقي لها أقوى على قدر تقاه وإيمانه ،وذلك بقدر خوفه من الله وبقدرإيمانه أنّ الله معه أينما كان وفي كل مكان وعلى قدر حبّه لله ، لأن حبّ الله هو الأقوى ،فمنه ينبع الخوف والخشية ممن نحبّ ،خوفا من أن يغضب علينا ولا ينظر إلينا إن عصيناه أو خالفنا أمره وتجاوزنا شرعه أو أهملنا حقه . فالتقوى مكانها القلب ،عندما أشار النبي صلى الله عليه وسلم على صدره من جهة القلب ودقّ عليه عدة مرات قائلا :التقوى ها هنا ،التقوى ها هنا، التقوى ها هنا”… فالمؤمن التقي هو الخائف من عذاب الله دائما وأبدا بكل جوارحه خفية وظاهرا ،ويبتعد عن ما يغضب الله من الذنوب والمعاصي، ويزيد من عمل الخير للتقرّب من الله ونيل رضاه سعيا للجنة، فتكون التقوى زاده للآخرة وسبب دخوله الجنة ونعيمها، لذلك قال ربّ العالمين :”وتزوّدا فإن خير الزاد التقوى”.  وهنا مثل بسيط واضح وضوح الشمس عن معنى التقوى وما هي

 سأل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أبيّ ابن كعب فقال له: ما التقوى؟ فقال أبيّ: ياأمير المؤمنين أما سلكت طريقاً فيه شوك؟! فقال: نعم، قال: فماذا فعلت؟ قال عمر: أُشمّر عن ساقي و أنظر الى مواضع قدماي و أقدم قدماً وأؤخر أخرى مخافة أن تصيبني شوكه ، فقال أبيّ ابن كعب : تلك هي التقوى

وسئل عليّ رضي الله عن التقوى فقال:” الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل”.

والتقوى فضائلها وثمراتها كثيرة وثوابها كبير عند الله  فهي أولا :محبة الله، لأن الله يحب (المتقين  قال الله تعالى:(بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) آل عمران

 والتقوى أجمل لباس يتزين به العبد، ( يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ) الأعراف ـ 62

وهي تفرج الكرب وتيسّر الأمور

وَمَنْ يَتَّقِ الله  يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً)(الطلاق)_”وَمَنْ يَتَّقِ الله يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً”.الطلاق

فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى”(5)”وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى”(6)”فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) الليل)

والتقوى توسع الرزق وتكثرالخير وتنجي من الضيق ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً(2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) الطلاق

والتقوى تنصر المؤمنين على أعدائهم (وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فصلت

والتقوى ثوابها الجنة والبعد عن النار وفيها الرحمة ومغفرة الذنوب والقرب من الله وبشرى من الله

“إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ” (القلم:34)صدق الله العظيم:

أختي المسلمة ..أوصيك وإياي بتقوى الله ، كما عليك أن توصي بها أهلك وأولادك وخلفك من بعدك ،كما أوصى بها الرسل عليهم السلام أقوامهم بأن يتقوا الله و يخافوه ويخشوا عذابه.  وكما اوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبه ورسائله أمته، وكما أوصى بها الخلفاء الراشدين من بعده ،ورجال الدين والصالحون من السلف الصالح، ما يزالون يتواصون بها في خطباتهم عند صلاة الجمعة وكتاباتهم وبوصاياهم عند وفاتهم للخلف من بعدهم. اللهم أعنّا على ذكرك وطاعتك وحسن عبادتك ،وأنت السلام ومنك السلام، ولا حول ولا قوة إلا بالله ..وصلّى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين

Scroll to Top