خروف العيد ..ماع ماع

بسم الله الرحمن الرحيم

أختي المسلمة..كل عام وأنتم بخير .. كلما أطلّ علينا عيد الأضحى ببركته ،فلا بد طبعا أن نضحّي بأضحية العيد ،وأول ما يخطر على بالنا هو خروف العيد فهو بطل العيد ومحوره ، فهل جهّزت خروف العيد ؟؟ ولم الخروف …مع أن أضحية العيد تختلف بين ضأن وبقر وماعز ،لكن معظم الناس يفضلون أضحية الكبش أي الخروف لأن الكبش هو الذي نزل على سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام  قربانا وفداء لسيّدنا اسماعيل عليه السلام ،يوم قرر تنفيذ الرؤية ولحظة وضع السكين على رقبة ابنه اسماعيل ” فلما أسلما وتله  للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين “وكانت رحمة من الله ،لسيدنا إسماعيل وسيدنا إبراهيم عليهما السلام ..وقال تعالى : “وفديناه بذبح عظيم ” سبحان الله هو أرحم الراحمين . لذلك أحببت أن أمرّر هذا الموضوع سريعا عن خروف العيد لأني وجدت أن هذا الخروف جدير بالمدح والمجاملة والإفتخار

ماع ..ماع … ما زلت أذكر هذه الأصوات أو المناداة ..عندما كنت صغيرة كان أبي رحمه الله يشتري الخروف أو الخروفين أو الثلاثة أحيانا قبل العيد بأسبوع أو أكثر ، خاصة عندما يذهب للحج أحد أفراد العائلة المقرّبين ، فيشتريها ويضعها في حديقة المنزل الخلفية حتى نطعمها  ونرعاها ونعلفها حتى إذا حلّ العيد كانت  سمينة وممتلئة وكاملة الدسم…

وكنا أنا وأخوتي نشعر بفرحة غامرة وسعادة كبيرة كلما استضفنا الخروف  عندنا …فكنا نفرح لصوته ونقلده ونردّد وراءه ماع .. ماع .. وكثيرا ما كنا نجلس بجواره نراقبه وهو يأكل ، وطبعا كنا نطعمه العشب بأيدينا أو نرمي له بقايا الخضار عندنا أو قشر البطيخ ..وكنت عندما  أعود من مدرستي أخرج بسرعة إلى الحديقة لأتطمئن  على الخراف خاصة عندما أسمع صوتها تنادي ، وطالما كنت أخرج وأجلس أمام الخروف أتأمله وهو يمضخ العشب وأراقب حركة فمه وأسنانه، وأقلده بأكلها وأضع له الماء ليشرب ، حتى أنه كان يمضي الليل معظمه ينادي ماع ..ماع ..ولا ينام ، وطبعا كنا نحن   والجيران ننزعج من صوته ولا ننام خاصة عندما يقترب موعد العيد .

وما أذكره أن أمي كانت تخاف الخروج إلى الحديقة  لتنظيفها أولتنشر الغسيل هناك ، فالخروف كان يتربّص لها أحيانا ،وكان ذا قرنين كبيرين وكان عندما يراها يركض نحوها لينطحها لكنها كانت تهرب منه مسرعة إلى داخل الدار  .. وفي يوم قبل أيام العيد قررت أنا وأخي اللعب مع الخراف عندما سمعت أمي صوت الخراف تصرخ صراخا  غيرطبيعيا فهرعت إلى الحديقة لتجدنا أنا وأخي قداستغلينا وداعة الخراف ولطفها وسكينتها  وقد وثب كل منا على خروف   وقد امتطيناها كالحمار ونحن نقول لها حا ..حا ..؟ بالطبع ، عندما رأت أمي هذا المشهد المريع صرخت بنا رأفة ورحمة بالخراف لأنها ضعيفة  ولا تتحمل ثقلنا ونحن في عمر التسع أوالعشر سنين تقريبا ..كانت تلك مغامرة  طفولية رعناء لم نشفق على الخراف المسكينة ولم نرحمها ،

لكن عندما يأتي العيد ـ صحيح أننا كنا نفرح ونلعب ونتباهى بملابسنا الجديدة وأحذيتنا اللماعة وفطرة العيد “العيديّة” الثمينة المغرية  لكن هناك كانت  تعترينا مشاعر الأسف  والحزن والأسى ،أول أيام العيد  عندما يأتي الجزار إلى دارنا ، مخبئا سكينه وراء ظهره ويمسك بالخروف ويكبّر ثم  يبدأ بذبح الخراف بسرعة ..وكنت أقف أراقبها وكأني اسمع صوتها فزعة هاربة منه وكأنها تعلم بما سيحلّ بها ،وبعدها يبدأ الجزار ومساعدوه  بنفخ الخروف من رجليه ثم يعلق بالكلاّبتين  في الشجرة التي في طرف الحديقة عندنا ،ومن ثم يعلّق عليها الخروف ثم يسلخ جلده ويضعه جانبا  حتى يتم تنظيفه وتمليحه وتجفيفه ويصبح جاهزا للفرش داخل الدار ونستمتع بدفئ صوفه في ليالي الشتاء الباردة .

كم كنت أشفق على الخراف وأحزن وألوم نفسي وجنس بني آدم أننا السبب في ذبحها  لنستمتع بلحمها ومرقها وصوفها ، حتى مرة من المرات قلت وانا أشاهد ذبح الخروف  كلمة ” يا حرام “بمعنى مسكين متأسفة ومشفقة عليه  فقال لي  الجزار لا يجوز أن تقولي حراما بل حلالا ، لأن الله سبحانه وتعالى قد أحلّه لنا وسخره لنا لنأكله لذلك عندما نذبح الذبيحة نذكر اسم الله عليها ونقول سبحان من أحلك للذبح وجعلك لنا حلالا .. سبحان الله الذي خلق لنا في الأرض ما نأكله وما نشربه وما نركبه

  .

قال الله تعالى في سورة غافر ” الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون ”  ..”(  يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) البقرة/168
يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون) [البقرة : 172 )

                                                                                        

تعلّمت بعدها أن لا أقول ” يا حرام ” للخروف لأنّ الله أحلّ لنا لحمه وطعامه ، فهنيئا لنا نعمة الله علينا وهنيئا لنا وللمسلمين جيعا عيد الأضحى المبارك

Scroll to Top